هل خانوك؟

هل خانوك؟ ألا يزال ذلك السؤال يلاحقك ويعكر صفو حياتك؟ ألازلت تبحث له عن أجوبة مقنعة؟ ألازال يهجرك النوم بفعل طنينه الحاد في أذنيك؟؟
لاتتعب نفسك, لن تجد جوابا. لن تجده في خزانة ملابسك, ولا تحت سريرك. لن تعثر عليه في المطبخ ولا حتى في الحمام.انه غير موجود في البيت, لن تبتاعه من عند البقال, و لن يصفه لك الطبيب, لن يبيعه لك الصيدلي. لن تجده في سلة القمامة, و لن يتطاير مع الريح ويسقط برفق على كتفك. لكن كن متأكدا من أنهم خانوك, و لا أظن أنك تشك في ذلك. نعم انها حقيقة وضعك المحرج.
لقد خاناك والداك عندما أسمياك سعيدا, فكبرت ولم تحس بالسعادة يوما, بل انك لم تعرف يوما معنى السعادة.
لقد خاناك حينما ظلا يمنياك النفس في أن تصبح طبيبا, فكبرت و أصبحت مريضا بكافة علل مجتمعك وعجزت بعدها عن علاج نفسك و عن علاج مجتمعك.
لقد خاناك لما أوصياك باحترام الكبار, لكنك في الوقت الذي قررت فيه تنفيذ وصيتهما لم تصادف يوما شخصا كبيرا, بل ولم يحترمك أحد بعدما كبرت.
لقد خانك مدرس اللغة عندما أوضح لك أن العقل السليم في الجسم السليم, فكنت تجد دوما أناسا كالبغال يركضون في كل صوب, فكنت تستوقفهم لتسمع حديث عقولهم السليمة, لكن للأسف كنت تسمع منهم حديثا ينفي أن لهم عقولا أصلا. لقد كنت تقابل أجساما لكن بدون عقول.
لقد خانك مدرس الاسلاميات حينما كان يحثك على النظافة, وكان يشرح لك دوما أن النظافة من الايمان. لكنك كبرت فوجدت أناسا كريهين ينعتون بالمؤمنين, وجدت كل حثالة نتن الرائحة يدعونه بالمؤمن, وجدت الايمان ملتصقا بالقذارة, ملطخا بالأوساخ لكن الناس كانوا يصرون على أنه الايمان بعينه.
لقد خانك مدرس الرياضيات عندما كان يلقنك مبادئ الحساب وكان يشرح لك مرارا أن جمع ثلاثة أعداد يمكن قسمته وتفريقه بعملية حسابية غاية في البساطة. لكنك كنت كلما تكبر يتضح لك,بكل جلاء, غلطة مدرسك الفادحة لما انتابك الانبهار وصدمت عند اكتشافك أن جمع رجل السلطة ورجل المال و رجل الدين جمع يبقى أمر قسمته وتفريقه مسألة شبه مستحيلة, و أن نتائج تلك القسمة تكون عادة غامضة و صعبة الهضم, على عكس ما حصلته خلال حصص الرياضيات.
لقد خانك مدرس الفلك عندما أكد لك, بما لا يدعو مجالا للشك, أن الأرض تدور في مدار حول الشمس, لكنك بعدما كبرت وجدت رأسك فقط هو الذي يدور في الفراغ جراء سوء هضمك لخزعبلات المدرسة والمدرسين.
لقد خانك فقيه الحارة حينما كان يصر على أن الشيطان عدو الانسان, وعندما كان يوصيك أنك بصفتك مؤمنا يتوجب عليك أن تتخذه عدوا. لكنك,مع الأسف, لما كبرت أدركت أن عدو الانسان الوحيد هو الجهل و أنه قد تحالف مع فقيه حارتكم و اتخذوك بعد ذلك عدوا لهم. وكم كان استغرابك و أسفك و انزعاجك كبيراعندما ثار الكل في وجهك, و لما أخذوا يرمونك بأبشع الصفات حينما تجرأت,بعدما كبرت, و قلت في وجههم أن فقيه حارتك هو عدو المؤمن, وأنه يعمل لحساب الجهل الذي عادة ما يضعه الكل جانبا ويقحموا الشيطان مكانه.

مادا عساي أقول ؟
جميلة حقا هذه العبارات ...

شكرا على اهتمامك